المشاركة بين العلم الحديث والحكمة القديمة - العطش إلى الحقيقة نجيب البعيني
صفحة 1 من اصل 1
المشاركة بين العلم الحديث والحكمة القديمة - العطش إلى الحقيقة نجيب البعيني
المشاركة بين العلم الحديث والحكمة القديمة - العطش إلى الحقيقة
نجيب البعيني
كان كمال جنبلاط فريداً من نوعه بين الرجال، فكراً وعقيدة وديناً وفلسفة وتوحيداً ورؤية. هذا الإنسان الجامع الشامل في عقله لمختلف الديانات والتيارات جَمَعَ في شخصه عقلَ العالِم المدقِّق، الباحث عن المعرفة، والمتغلغل في فهم الصوفية فهماً عميقاً؛ وهو قد تميز بين سياسيي المرحلة التي عاش فيها ببعده الخلقي، واستلهامه روح الدين في جسد دنيوي، وإيمانه الراسخ بالحياة الثانية، وخلود الروح، وانتقالها من جسد إلى آخر.
الكتاب الجديد الذي صدر له بعنوان المشاركة بين العلم الحديث والحكمة القديمة في النظر إلى الإنسان والعالم هو في الأصل محاضرة طويلة ألقاها بدعوة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية. موضوع الكتاب ومحوره القلم، والعلم، والحكمة، والإنسان، والعالم، قديماً وحديثاً؛ ومحوره عطش الإنسان الدائم للبحث عن الحقيقة المجردة عن كل شيء.
في هذا السياق يقول: "إن الحاجة إلى جعل المعتقدات تتوافق مع العلم أكثر من الحاجة إلى جعل العلم يتوافق مع المعتقدات، ولكن في مستوى الاختبار النفسي والعقلي والروحي."
هذه النظرة تبقى وتتوضح أكثر فأكثر في مستوى الاختبار النفسي أو العقلي أو الروحي. ومن مشاهدة الحقيقة تنبع جداولُ المذاهب والشرائعُ وتنحدر إلى مستوى الجماعة، وفي تلبسها بالتأويل والشرح واعتمال التقليد وترسبات الفكر تبتعد عن ينبوعها الأول.
يحدد كمال جنبلاط في كتابه مفهومه للحياة والتطور والأدوار والحرية في معرض الحديث عن عالم التكوين والإنسان، فيذكِّر بتوافق العلم الحديث والحكمة الألفية في تصور الحياة والتطور والحرية، على ما يدرك من سبق وتقدم مفاهيم العرفان على العلم في هذا المجال.
فالحياة ظاهرة متقدمة لتيار التطور أو التعقُّد والتركيب المادي، وهي موجودة حتماً بشكل من الأشكال منذ البداية... لأن الذي لا يكون مستبطَناً في البداية لا يمكن أن يظهر في النهاية، لأن ما من شيء يخرج ويولد من العدم، أي من اللاشيء. هي قاعدة العلم الحديث والحكمة التقليدية على حدٍّ سواء.
ويخلص جنبلاط إلى القول عن ألوان المشاركة والموافقة بين العلم الحديث وتعاليم الحكمة القديمة، في جميع العصور وفي جميع البلدان والأمصار، في النظر إلى العالم والإنسان، فيربطها بتقدم الحكمة والعرفان وسبقها العلم الحديث في استكشاف النظريات والحقائق التي يتضمنها التكوين والوجود الظاهر، وذلك لأسباب منها: أن العالِم، في عملية الاستقصاء العلمي، يلقي بشباك فكره على الأشياء، محاولاً أن يفسر ظواهرها بوساطة نظريات عقلية. فإذا ما توسَّم بعض التوافق بين هذه النظريات والوقائع الحسية يقترب قليلاً، محاولاً الزيادة المطردة من هذا التوافق بوضعه نظريات جديدة تهدف إلى التضييق، ما أمكن، بين المجالات الفاصلة بين الواقع الماثل والشرعة الحسابية المشدودة عليه، وهكذا إلى ما لا نهاية – إلى أن تتوافر المعادلة الأخيرة التي تمكِّن من استيعاب شرائع الوجود الحقيقية في شباك شرائعنا النظرية الفكرية الممدودة عليه.
وخلاصة الكلام أن جنبلاط حدَّد مفاهيمه في هذا الكتاب بعدة نقاط محورها العرفان والتوحيد، وببعض التعاليم الهندية، وتقدم العلم في استكشافه الوجود، ووحدة الوجود، أو وحدة الطاقة والتكوين، وماهية المادة، والفردانية المنعكسة في الوجود، والوجود والحركة، ومبدأ بقاء المادة وتحوُّل المادة إلى طاقة والطاقة إلى مادة، ونظرية الحقل، والنسبية العامة (ونسبية الزمان والمكان من ضمنها)، والماهية الحسية للعالم الخارجي، إلى غيرها من النظريات في العالم والإنسان التي هي مشاركة بين العلم الحديث والحكمة القديمة.
المصدر: موقع معابر
نجيب البعيني
كان كمال جنبلاط فريداً من نوعه بين الرجال، فكراً وعقيدة وديناً وفلسفة وتوحيداً ورؤية. هذا الإنسان الجامع الشامل في عقله لمختلف الديانات والتيارات جَمَعَ في شخصه عقلَ العالِم المدقِّق، الباحث عن المعرفة، والمتغلغل في فهم الصوفية فهماً عميقاً؛ وهو قد تميز بين سياسيي المرحلة التي عاش فيها ببعده الخلقي، واستلهامه روح الدين في جسد دنيوي، وإيمانه الراسخ بالحياة الثانية، وخلود الروح، وانتقالها من جسد إلى آخر.
الكتاب الجديد الذي صدر له بعنوان المشاركة بين العلم الحديث والحكمة القديمة في النظر إلى الإنسان والعالم هو في الأصل محاضرة طويلة ألقاها بدعوة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية. موضوع الكتاب ومحوره القلم، والعلم، والحكمة، والإنسان، والعالم، قديماً وحديثاً؛ ومحوره عطش الإنسان الدائم للبحث عن الحقيقة المجردة عن كل شيء.
في هذا السياق يقول: "إن الحاجة إلى جعل المعتقدات تتوافق مع العلم أكثر من الحاجة إلى جعل العلم يتوافق مع المعتقدات، ولكن في مستوى الاختبار النفسي والعقلي والروحي."
هذه النظرة تبقى وتتوضح أكثر فأكثر في مستوى الاختبار النفسي أو العقلي أو الروحي. ومن مشاهدة الحقيقة تنبع جداولُ المذاهب والشرائعُ وتنحدر إلى مستوى الجماعة، وفي تلبسها بالتأويل والشرح واعتمال التقليد وترسبات الفكر تبتعد عن ينبوعها الأول.
يحدد كمال جنبلاط في كتابه مفهومه للحياة والتطور والأدوار والحرية في معرض الحديث عن عالم التكوين والإنسان، فيذكِّر بتوافق العلم الحديث والحكمة الألفية في تصور الحياة والتطور والحرية، على ما يدرك من سبق وتقدم مفاهيم العرفان على العلم في هذا المجال.
فالحياة ظاهرة متقدمة لتيار التطور أو التعقُّد والتركيب المادي، وهي موجودة حتماً بشكل من الأشكال منذ البداية... لأن الذي لا يكون مستبطَناً في البداية لا يمكن أن يظهر في النهاية، لأن ما من شيء يخرج ويولد من العدم، أي من اللاشيء. هي قاعدة العلم الحديث والحكمة التقليدية على حدٍّ سواء.
ويخلص جنبلاط إلى القول عن ألوان المشاركة والموافقة بين العلم الحديث وتعاليم الحكمة القديمة، في جميع العصور وفي جميع البلدان والأمصار، في النظر إلى العالم والإنسان، فيربطها بتقدم الحكمة والعرفان وسبقها العلم الحديث في استكشاف النظريات والحقائق التي يتضمنها التكوين والوجود الظاهر، وذلك لأسباب منها: أن العالِم، في عملية الاستقصاء العلمي، يلقي بشباك فكره على الأشياء، محاولاً أن يفسر ظواهرها بوساطة نظريات عقلية. فإذا ما توسَّم بعض التوافق بين هذه النظريات والوقائع الحسية يقترب قليلاً، محاولاً الزيادة المطردة من هذا التوافق بوضعه نظريات جديدة تهدف إلى التضييق، ما أمكن، بين المجالات الفاصلة بين الواقع الماثل والشرعة الحسابية المشدودة عليه، وهكذا إلى ما لا نهاية – إلى أن تتوافر المعادلة الأخيرة التي تمكِّن من استيعاب شرائع الوجود الحقيقية في شباك شرائعنا النظرية الفكرية الممدودة عليه.
وخلاصة الكلام أن جنبلاط حدَّد مفاهيمه في هذا الكتاب بعدة نقاط محورها العرفان والتوحيد، وببعض التعاليم الهندية، وتقدم العلم في استكشافه الوجود، ووحدة الوجود، أو وحدة الطاقة والتكوين، وماهية المادة، والفردانية المنعكسة في الوجود، والوجود والحركة، ومبدأ بقاء المادة وتحوُّل المادة إلى طاقة والطاقة إلى مادة، ونظرية الحقل، والنسبية العامة (ونسبية الزمان والمكان من ضمنها)، والماهية الحسية للعالم الخارجي، إلى غيرها من النظريات في العالم والإنسان التي هي مشاركة بين العلم الحديث والحكمة القديمة.
المصدر: موقع معابر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى